فيروس كورونا: ماذا تعني الموجة الثانية للوباء؟ وهل ستحدث؟
تعتبر المخاوف من حدوث موجة وبائية ثانية أحد العناويين التي تتردد بكثرة في القنوات الأعلامية والتصريحات الرسمية.
وترجع بدايات وصف الانتشار الوبائي ب”موجة” الى عام 1889، حين انتشر وباء سبّبه فيروس تنفسي، وكان في شكل مراحل متعددة على مدى سنوات.
وفي أغلب الأبحاث الحديثة لعلم الأوبئة يتم تصوير حدوث الموجة الوبائية الثانية كأمر حتمي لا يمكن تجنبه. والسبب في ذلك يعود لتجربة العالم السابقة مع وباء الإنفلونزا الإسبانية، التي ظهرت في شكل موجتين، وكانت الموجة الثانية أشد خطورة وتأثيراً من سابقتها.
فهل يؤكد هذا أن العالم مقدم على موجة وبائية ثانية من وباء فيروس كورونا؟
يجيبنا مركز الطب الموثق في جامعة أكسفورد-والمنوط بتقييم الأبحاث الطبية و الخروج بتوصيات موثقة- على هذا السؤال ب”لا“. وذلك بسبب:
-عدم دقة واتساق الأدلة المسجلة عن انتشار الأوبئة الفيروسية السابقة في القرون الماضية بما فيها وباء الإنفلونزا الإسبانية الذي انتشر في زمن الحرب العالمية الأولى.
فقد كان السبب الذي افتُرض لبدء موجه وبائية ثانية من وباء الإنفلونزا الإسبانية هو تحور الفيروس لسلالة أكثر شراسة وهو ما لا دليل علمي على إثباته .
-هناك آراء علمية تقول أن بعض الموجات المتكررة في حالات الأوبئة السابقة كانت جزء من تحول سلوك الفيروسات التنفسية للنمط الموسمي الذي يفضل الانتشار في فصول معينة. كما أنه لا دليل علمي يثبت أن الموجة الثانية لابد أن تكون أكثر شراسة من سابقتها.
مما يعني أن ظهور موجة وبائية ثانية من فيروس كورونا المسبب للوباء الحالي أمر غير مؤكد ، ولكنه لا يزال محتمل الحدوث.
ماهي الذي يمكن أن يزيد من فرص التعرض لحدوث موجة وبائية ثانية من وباء فيروس كورونا؟
يحتاج الانتشار الفيروسي الوبائي التضاعفي لوجود نسبة كافية من الأشخاص المُعرّضين للعدوى في المجتمع.
والتعرّض للعدوى يحتاج لوجود عاملين أساسيين:
1-عدم وجود مناعة تحمي الشخص من الإصابة بعدوى الفيروس ( وتتكون المناعة بعد عدوى طبيعية أو بعد تناول لقاح ناجح).
2-عدم وجود حماية من إنتقال العدوى نتيجة لعدم اتباع إجراءات الحظر والوقاية المختلفة.
تم تقدير نسبة المناعة التي يحتاجها المجتمع لمنع الانتشار الوبائي بفيروس كورونا (مناعة القطيع Herd immunity). ووجد أنه يلزم أن يكون 60% من أفراد المجتمع قد اكتسب مناعة و أصبح محميا ًمن العدوى الفيروسية عند التعرض لها.
فعند الوصول لهذه النسبة تكون عودة الحياة لما كانت عليها قبل ظهور الوباء آمنة، و تصبح احتمالات حدوث موجات ثانية (أو حتى نشاط وبائي محدود) قليلة للغاية أو غير موجودة.
فهل أصبحت المجتمعات التي تجاوزت موجة الوباء الأولى في أمان ؟ وهل تكوّنت المناعة المجتمعية الكافية؟
تحتاج إجابة هذا السؤال الى دراسات واسعة تختبر وجود مناعة في المجتمعات المختلفة. وبالفعل بدأت دراسات متعددة من هذا النوع حول االعالم، ووجدت أن نسبة المناعة التي تكونت بعد مرور موجات الوباء الأولى في عدة أماكن كانت تتراوح بين 1%-10% فقط.
آخر هذه الدراسات دراسة تم نشرها منذ أيام:
اختبرت هذه الدراسة حوالي 60,000 شخص في إسبانيا التي تعرضت لواحدة من أقوى موجات انتشار الوباء العالمية.
وتم حساب نسبة وجود مكونات المناعة التي تسمى ب(الأجسام المضادة) في فئات الأشخاص المتضَّمنين في البحث بعد أسبوعين من العدوى فكانت كما يلي:
-في الحالات التي تم التأكد من إصابتها بالعدوى بإجراء اختبار المسحة PCR : كانت النسبة 90%. وهي نسبة تقارب ما تم تسجيله في أبحاث أخرى كانت النسبة فيها 99%.
-في الحالات التي أصيبت بأعراض موافقة لأعراض كوفيد-19 ولكن لم تتأكد إصابتهم بتحليل المسحة PCR: كانت النسبة حوالي 16%.
-في مقاطعات إسبانيا المختلفة: تراوحت النسبة من 0.5% الى حوالي 13% في أشد المقاطعات تأثراً بالوباء، وفي المتوسط كانت النسبة 5%.
-في المرضى الذين عانوا من فقدان حاسة الشم أو ثلاثة أغراض أخرى على الأقل من أعراض كوفيد-19 : كانت النسبة من15% الى 20%.
-في العاملين بالمستشفيات: كانت النسبة من 8% الى 14%.
-في المخالطين لحالات مؤكدة: كانت النسبة حوالي 35%.
وبناءً على هذه الدراسة الواسعة، فقد استنتج الباحثون أن نسبة تكوّن الأجسام المضادة المناعية لا تتجاوز 15% في أي مكان من إسبانيا. وهي نسبة مناعة لا تزال بعيدة عن ما تحتاج اليه المجتمعات لعودة الحياة لما كانت علية قبل ظهور الوباء.
ومن هذا نستنتج أن:
أن المعلومات المتاحة علميا الى الآن تخبرنا بأننا لا زلنا نحتاج الى الحذر واتباع الإجراءات الوقائية العامة لفترة من الوقت لتجنب حدوث موجات وبائية أخرى ومن أهمها:
-الإلتزام بمسافة التباعد الجسدي(مترين).
-ارتداء الكمامات .
-غسل اليدين قبل لمس العين أو الفم أاو الأنف بالطريقة الصحيحة ولمدة لا تقل عن 20 ثانية.
-بالإضافه الى اتباع التوصيات الرسمية بدقة، ومتابعة ما تقرره من إجراءات تخفيف الحظر أو تشديده..
_واضافت د.جيني هاريس-نائب مدير المكتب الطبي بإنجلترا -نصيحة أخرى بهذا الخصوص في آخر تصريحاتها، حيث وضّحت أهمية الاستعداد بانقاص الوزن الزائد لتقليل مخاطر العدوى في الموجة الوبائية الثانية إن حدثت. نظراً لما أثبتته الدراسات من تضاعف الخطورة وشدة الأعراض في حالات السمنة.