ما أكثر عدد ساعات صيام تستطيع اجسامنا تحملها؟ وكيف؟

كيف تؤثر الحركة والرياضة على مستوى السكر في الدم أثناء الصيام؟

د. نيهال الشبراوي2024-03-15

290

عندما نتحدث عن تأثير الصيام على الجسم فإننا نعني امتناع الشخص تناول أي اطعمة أو مشروبات لساعات طويلة متواصلة.

طالما عرف الصيام كجزء من الشعائر الدينية للمسلمين، وأظهرت العديد من الدراسات العلمية فوائدا صحية للصيام مم أهمها أنه يقلل مستوى هرمون الانسولين وبالتالي يعالج مقاومة الانسولين والاستعداد للسكري.

وقد ظهر مؤخرا مايعرف بالصيام المتقطع وأظهر نجاحا كوسيلة فعّالة لانقاص الوزن.

من الجيد أن نعرف تأثير الصيام على الجسم وكيف يؤثر على مستوى السكر في الدم، و كيف يصبح الصيام تحديا لمرضى السكري وما أكثر عدد ساعات يمكن لجسم الصائم تحملها، وكيف.

من أين تحصل أجسامنا أثناء الصيام على السكر اللازم لانشطتها؟

سواء كنا صائمين أو غير صائمين فإن أجسامنا تحتاج إلى الطاقة اللازمة للقيام بالأنشطة اليومية وبالوظائف الحيوية للأعضاء وخلايا المخ وخلايا الجسم الأخرى، ويحصل الجسم على هذه الطاقة بشكل أساسي من سكر بسيط يسمى الجلوكوز.

توفر لنا الأغذية الغنية بالكربوهيدرات (المواد النشوية) كالحبوب والأرز و منتجات الالبان والفواكه وحتى الحلويات هذا السكر.

في الاحوال المعتادة يتناول الفرد ثلاث وجبات يوميا للحفاظ على مستوى السكر الطبيعي في الدم مما يمكن الجسم من القيام بأنشطته اليومية دون أن يحدث ما يعرف بالهبوط.

اما حين ينقص عدد الوجبات ولا يصل الجسم طعام يستطيع تحويله لسكر لساعات تصل الى 12 أو 16 ساعة، فللجسم خطط بديلة.

مخزون الجليكوجين في الكبد..

الخطة الأولى هي استغلال مادة الجليكوجين المخزنة في الكبد والعضلات. حيث أن الجسم وفي الاحوال العادية يخزن جزء من السكرالجلوكوز الزائد عن حاجته في صورة مادة معقدة تسمى جليكوجين حتى إذا احتاج الجسم للسكر في أي وقت تعود هذه المادة للتحول لسكر الجلوكوز -وتسمى العملية بالانجليزية glycogenolysis -لتمد الجسم بالطاقة وتحافظ على مستوى السكر في الدم بشكل طبيعي.

ما المدة التي يكفي مخزون الجليكوجين الجسم فيها أثناء الصيام؟

يكفي مخزون الجليكوجين ليمد الجسم بسكر الجلوكوز اللازم للحصول على الطاقة لعدد ساعات تصل إلى 18 -24 ساعة.

عند هذه النقطة ينفذ مخزون الجليكوجين ويدخل الجسم في حالة الصيام الحقيقي طبيا، والذي يعني عدم القدرة على توفير سكر الجلوكوز من اصل كربوهيدراتي سواء بتناول الطعام أو بتحويل مخزون الجليكوجين إلى جلكوز.

تخليق أو استحداث الجلوكوز..

يلجأ الجسم إلى عملية تخليق أو استحداث الجلوكوز Gluconeogenesis وهي الخطة الثانية بعد حوالي 18-24 ساعة من الصيام وبالتحديد بعد نفاذ مخزون مادة الجليكوجين المخزنة في الكبد والعضلات والتي يستطيع الجسم تحويلها ببساطة إلى سكر الجلوكوز اللازم لعمل خلايا المخ والجسم بشكل عام.

تستخدم عملية تخليق الجلوكوز استخدام مواد بناء غير كربوهيدراتية وتتضمن مركبات الجليسرول الدهنية (glycerol) الموجودة في الدم ومواد البروتينات (amino acid الاحماض الامينية) والمواد التي تنتج اثناء تكسير الجلوكوز في الجسم للحصول على الطاقة منه ( pyruvate- lactate).
تحدث هذه العملية في الكبد بشكل أساسي وبدرجة أقل في الأمعاء والكليتين.

ويحفز تخليق الجلوكوز افراز هرمون يسمى جلوكاجون glucagon تفرزه خلايا البنكرياس عند نقص مستوى السكر في الدم.

وفي الاشخاص غير المصابين بالسكري يكون مستوى السكر في الدم اثناء عملية تخليق الجلوكوز التعويضية اقل من المعتاد لكنه يظل في المستوى الطبيعي.

تخليق الجلوكوز ومرضى السكري..

تعتبر عملية تخليق الجلوكوز مشكلة لمرضى السكري الذين لا يتم علاجهم بشكل صحيح، حيث أنها تسهم في ارتفاع السكر في الدم، والحل هنا هو تلقي العلاج اللازم حيث أن هرمون الانسولين هو العامل الاساسي الذي يمنع حدوث تخليق الجلوكوز سواء كان يتم تناوله بالحقن اوعن طريق الادوية التي تحفز افرازه من البنكرياس.

تجدر الاشارة الي ان الجوع الذي يحدث في حالة مرض السكري بسبب نقص هرمون الانسولين أو ضعف الاستجابة له (مقاومة الانسولين) يختلف عن الجوع الذي يحدث في حالة صيام الشخص غير المريض بالسكري.

ففي حالة السكري يكون السكر متاحا في الجسم لكنه لا يستطيع الدخول لخلايا الجسم والمخ وهنا يقرر الجسم في حالات عدم تلقي العلاج استخدام الدهون كمصدر للطاقة مما يولد الكثير من الاجسام الكيتونية في الدم والتي تزيد من حمضية الدم وقد تدخل الجسم في حالة غيبوبة السكر المرتفع (الحماض الكيتوني السكري DKA)

ماذا ان استمر الصيام بعد ساعات من استمرار عملية تخليق الجلوكوز؟

تستمر عملية تخليق الجلوكوز حتى تنفذ المواد الاساسية اللازمة لها في الجسم الصائم عن الطعام، ويصبح هنا الصيام خطيرا ويدخل الجسم في حالة الجوع المهدد بالموت starvation.

الحالة الكيتونية بعد 2-3 أيام من الصيام..

يبدأ حدوث الحالة الكيتونية بعد 2-3 أيام من بداية الصيام حيث يسبب نقص الانسولين بدء تكسير الدهون في الجسم lipolysis .

وهنا تتكسر الدهون الثلاثية إلى مركب الجليسرول واحماض دهنية، ويستخدم الجسم الجليسرول في تخليق الجلوكوز.

يمكن لخلايا الجسم أن تستخدم الاحماض الدهنية بشكل مباشر للحصول على الطاقة وذلك بخلاف خلايا المخ التي لا تستطيع أن تستخدمها للاستمرار في وظائفها.

يحول الجسم جزء من الاحماض الدهنية إلى اجسام كيتونية تستطيع العبور للمخ وتغذي خلايا التي تستطيع انتاج الطاقة منها.

بعد 5 أيام من الصيام المستمر يكون تكسير الدهون هو الاساس..

يُعد تكسير الدهون المخزنة المصدر الرئيس للطاقة التي يحتاجها الجسم في حالة المجاعة، فبعد 5 أيام من الصيام المستمر يكون الجسم مستمرا في الحفاظ على كتلة عضلاته ومخزون البروتينات فيها.

حيث يحافظ مستوى هرمون النمو المرتفع على كتلة العضلات ويحصل الجسم على طاقته من الاحماض الدهنية والاجسام الكيتونية الناتجة عن تكسر الدهون المخزنة في الجسم وتكون الجليسرول الذي يستخدم في تخليق الجلوكوز وبالتالي يتمكن الجسم الطبيعي من الحفاظ على مستوى طبيعي للسكر في الدم حتى هذا الوقت.

واذا استمر الصيام أكثر من ذلك تبدأ العمليات الحيوية في الجسم بالتباطؤ ويتم تكسير انسجة العضلات من اجل الحصول على الطاقة.

ما أكثر عدد ساعات صيام تستطيع اجسامنا تحملها؟

بشكل عام يستطيع الشخص غير المريض ذو الصحة الجيدة أن يصوم ليوم كامل – لمدة 24 ساعة- دون أن يشكل ذلك خطرا على حياته، هذا إن لم يكن يعاني من ضعف في وظائف أي عضو من أعضاء الجسم.

حيث أن الجسم سيعتمد على مخازن الجليكوجين في الجسم لمدة 18-24 ساعة حتى تنفذ فيبدأ الجسم في تخليق الجلوكوز من مواد غيركربوهيدراتية بعدها، وهي عملية وإن كانت آمنة ولكن لا يجب أن يصل الجسم لمرحلة نفاذ هذه المواد ويدخل في حالة الجوع الخطر.

وضحت العديد من الدراسات فوائد الصيام لصحة الجسم (إقرأ المزيد) ودوره في انقاص الوزن شريطة المحافظة على تناول عدد سعرات حرارية قليلة وأن لا يتلو الصيام فترات من زيادة تناول الطعام.

تخليق الجلوكوز وكيتو دايت والتخسيس..

تتشابه عملية تخليق الجلوكوز مع ما يحدث في حالة ال كيتو دايت في انهما يوفران للجسم مصدرا للطاقة في حالة نقص الكربوهيدرات في التغذية، إلا ان مصدر الطاقة في حالة كيتو دايت تكون فقط الدهون، حيث يجبر الجسم على ذلك بسبب شكل التغذية التي ترتفع فيها كمية المواد الدهنية للغاية وتقل للغاية المواد الكربوهيدراتية، وينتج عن كيتو دايت تكون مركبات في الدم تسمى الاجسام الكيتونية (إقرأ المزيد).

والفارق أن عملية تخليق الجلوكوز تهدف الحفاظ على الكتلة الدهنية وتمنع الجسم من تكسير الدهون، ولذلك فإن نظام كيتو دايت للتخسيس يحاول مقاومتها ببعض التعديلات التي تقلل من اتجاه الجسم لتشغيلها.

أما في حالة التخسيس بنظام الكالوري كاونتج (حساب السعرات) وهو النظام الصحي الذي توصي به الهيئات الطبية العالمية فإن خلق احتياج الطاقة للجسم calories deficit يغير من توزيع الدهون في الجسم ويدفع الجسم لتكسير الدهون.

وينتج عن ذلك الحصول على الاحماض الدهنية كمصدر للطاقة لخلايا الجسم ما عدا خلايا المخ، والتي هنا تتغذى على الجلوكوز من المواد الكربوهيدراتية التي يتناولها الشخص ضمن تغذية متوازنه فلا تحدث الحالة الكيتونية.

كيف تؤثر الحركة والرياضة على مستوى السكر في الدم أثناء الصيام؟

تستخدم الرياضة وحركة العضلات السكر المخزن داخل انسجة هذه العضلات وفي طريق الجسم ليعيد بناء مخازنه فإنه يستخدم سكر الجلوكوز الموجود في الدم ويزيد ذلك من حاجة الجسم للسكر اثناء الصيام.

وذلك يجعل تأثير الرياضة على السكر ممتد لساعات طويلة قد تصل الى 4-8 ساعات بعد التوقف عن آداءها.

بشكل عام فإنا الرياضات الهوائية (الايروبكس) والرياضات البسيطة والمتوسطة مثل المشي وركوب الدراجة تسبب تناقص مستوى السكرفي الدم.

هل يمكن أن ترفع الرياضة مستوى السكر في الدم؟

بعض أنواع الرياضات غير الهوائية مثل رفع الأثقال أو الرياضات التنافسية قد تسبب زيادة مستوى السكر في الدم نتيجة افراز هرمون الادرينالين (هرمون التوتر) والذين يحفز تكسير مخزون الجليكوجين الموجود في الكبد وتحوله الى سكر الجلوكوز.

وذلك ما يجعل ممارسة هذه الانواع من الرياضة لمرضى السكري يجب أن يكون مصحوبا بالحذر، فمع فائدتها على المدى البعيد إلا أنه لا يجب أن نترك الجسم يتعرض لفترات من ارتفاع السكر في الدم عن مستواه الطبيعي لما في ذلك من مخاطر على الشرايين وغيرها.

وهنا ينصح الخبراء بمراقبة مستوى السكر في الدم وتنظيم الاكل والدواء بشكل يدعم الحفاظ على مستوى السكر في الدم عند مرضى السكري اثناء ممارسة الرياضات اللاهوائية مثل رفع الاثقال.