حكايات ريفية وراء قصة نجاح لقاح الجدري بعد أن قتل مئات الملايين
طب اليوم يستعرض معكم تاريخ الانتصار العلمي في القضاء على وباء الجدري في الحلقة 15 من بنك المعرفة
لا يعرف العالم بالتحديد وقت ظهور فيروس الجدري variola virus المسبب لوباء الجدري الهائل الذي أزهق أرواح حوالي 300 مليون إنسان في القرن العشرين وحدة، وذلك بحسب الإحصائيات البريطانية.
إلا أن الدلائل التاريخية تشير لظهوره 3000 سنة قبل الميلاد في مصر، حيث اكتشفت بثور الجدري small pox في 3 ممياوات مصرية، ومنها مومياء الفرعون رمسيس الخامس، وفيما يلي صورة لمومياء هذا الملك أوردتها منظمة الصحة العالمية.
وبسبب حركة التجارة العالمية انتشر الفيروس في اقطار العالم حيث وصل اليابان في القرن السادس وانتشرت أوبئته في أوروبا بدءا من القرن الحادي عشر.
يستطيع هذا الفيروس الخطير قتل ثلث من يصابون به، والانتشار بين البشر عن طريق رذاذ التنفس والسعال أو التعرض لإفرازات المريض أو صديد بثور الجلد التي يسببها.
عانى البشر في محاولة ايقاف انتشار أوبئة هذا الفيروس الذي كان يهاجم بشراسة المجتمعات التي لم تتعرض له من قبل.
ويرجع التاريخ انتصار الأسبان في المكسيك بالقرن ال 16 إلى انتشار الجدري، حيث أن هنود قبائل الأزتيك والانكاس لم يكونوا قد تعرضوا للعدوى من قبل.
فكيف انتصر العالم على الجدري، وما هي الحكايات الريفية التي كانت وراء قصة الوصول للقاح ناجح ضده؟
كيف حاولت الشعوب مقاومة الجدري؟
حاولت شعوب الهند والصين بالقرن العاشر الميلادي مقاومة الجدري بأن استخدموا عملية بدائية سميت ب التجدير variolation.
وذلك وبالحصول على صديد من بثور الجدري لمريض، ثم وضع هذا الصديد في جسم الإنسان السليم إما بخدش على الجلد أو بالاستنشاق.
وفي الغالب كان ذلك يسبب عدوى بسيطة تترك مناعة بعدها، بشكل يحمي من العدوى الفيروسية الخطيرة، ولكن ذلك كان مصحوبا بخطورة.
فقد كانت عملية التجدير تسبب عدوى خطيرة مميتة بنسبة تصل إلى 2%، إلا أن هذا لم يمنع من استخدامها فالعدوى بالفيروس مميتة بنسبة 20-30%، وهو فارق دفع العديد من المجتمعات للاستمرار بها.
والعيب الآخر لطريقة التجدير هو إمكانية انتشار الفيروس من الشخص لمن حوله مسببا العدوى الفيروسية الخطيرة لهم.
-بنك المعرفة (14) | وزن المخ في الرجال أكبر مما هو في النساء.. فهل يؤثر ذلك على قدرات التفكير؟
الاكتشاف العلمي المبهر للقاح الجدري..
بدأ الاكتشاف العلمي المبهر ل لقاح الجدري عام 1976 بأن فكر طبيب بريطاني وعالم يدعى د.إدوارد جينير في التأكد من فكرة بالحكايات الريفية التي كانت منتشرة في الريف البريطاني وقتها.
كانت هذه الحكايات تقول بأن العاملات في حلب الأبقار اللاتي كن يصبن بجدري الأبقار cowpox (وهو مرض بسيط غير قاتل) لا يمكن أن يصبن بفيروس الجدري القاتل أبدا.
وبدأ د.إدوارد تجاربه بأن استخلص صديد من بثور جدري الأبقار على يد أحد العاملات بحلب اللبن، ثم وضعه في شق بسيط بذراع طفل عمره 8 سنوات لم يتعرض للجدري من قبل، وكان الطفل هو ابن الرجل الذي يرعى حديقة إدوارد.
وبعد أشهر قام إدوارد بتعريض الطفل الذي كان يدعى جيمس فيليب لفيروس الجدري الحقيقي عدة مرات، وهي تجربه خطيرة تنافي المواثيق الطبية الحالية، لكن لحسن الحظ فإنها نجحت، ولم يصب جيمس بالجدري الخطير.
وكانت نتيجة تجربة إدوارد أن ثبت بالدليل القاطع أن المناعة ضد جدري الأبقار البسيط تحمي ضد الجدري البشري القاتل.
وبعد نشر إدوارد لنتائج دراسته عالميا، بدأ قبول لقاح الجدري عالميا وحل التطعيم به محل عملية التجدير شيئا فشيئا.
وفي القرن التاسع عشر تغير الفيروس المستخدم لتحضير لقاح الجدري من فيروس جدري الأبقار إلى فيروس ضعيف من نفس العائلة يسمى فيروس فاكسينا vaccina virus.
القضاء على الجدري وانتهاء أوبئته..
تم إعلان القضاء على الجدري وانتهاء أوبئته عن طريق حملات لقاح الجدري الموسعة في أمريكا الشمالية سنة 1952 وفي أوروبا سنة 1953.
ولكن انتهاء أوبئة الجدري من العالم لم يتحقق إلا بعد أن بدأت منظمة الصحة العالمية في خطتها لمقاومته بنشر لقاح الجدري في انحاء العالم أجمع، وأعلنت هذه الخطة في عام 1959.
وواجهت هذه الخطة صعوبات عديدة ولكنها استمرت حتى تم القضاء على الجدري في أمريكا الجنوبية سنة 1971 وتبع ذلك القضاء عليه في آسيا عام 1975 وأخيرا في أفريقيا عام 1977.
إقرأ أيضا..
- لماذا تحور فيروس كورونا في حيوان المنك؟ وكيف تصنع الدول الأوبئة وتصدرها للعالم؟
- كيف يبدأ الوباء وكيف ينتهي؟ وما العوامل التي ترسم منحنى الوباء في منطقة ما صعودا ثم هبوطا؟
- تحليل خاص | عدوى كوفيد-19 أم اللقاح .. أيهما اخطر؟
- تحليل خاص | لماذا يتوقع العلماء أن لقاحات كورونا ستنجح في انهاء الوباء ولن تتأثر بالتحورات الفيروسية؟